“رقصة الموت على كوبري أكتوبر… مطاردة تحبس الأنفاس تنتهي ببطولة رجال المرور”

“رقصة الموت على كوبري أكتوبر… مطاردة تحبس الأنفاس تنتهي ببطولة رجال المرور

بقلم/ ياسر محمد نائب رئيس تحرير أخبار اليوم
لم يكن فجر ذلك اليوم عاديًا… القاهرة النائمة على أضواء خافتة وصمت ثقيل استيقظت على صرخات الإطارات وارتطامات الحديد بالحديد. في أحد شوارع قصر النيل، خرجت سيارة فارهة من ظلام الليل تتمايل بجنون، كأنها ثملة تشارك راقصًا فاقد الوعي. خلف المقود كان يجلس شاب غارق في سُكرٍ شديد، عائد من سهرة صاخبة، وقد تحولت ضحكاته قبل لحظات إلى فوضى دامية على الأسفلت.
أول اصطدام كان مع سيارة متوقفة في قلب قصر النيل، لكن نزيف الحادث لم يتوقف؛ انطلق السكران إلى ميدان التحرير، يصطدم بواحدة تلو الأخرى، وكأنه يفتح طريقًا من حطام وزجاج متناثر. الإخطارات انهالت على أجهزة اللاسلكي، وفي غرفة العمليات انطلقت الأوامر: “أوقفوه… قبل أن يقتل أحدًا!”
البداية مع اللواء تامر الغرباوي – قائد المطاردة
في مقر مرور قطاع الغرب، كان اللواء تامر الغرباوي يتابع البلاغات، لكن هذه المرة النبرة مختلفة… حادث هنا، ارتطام هناك، والفاعل نفسه ما زال طليقًا. قراره كان حاسمًا، لا مجال للانتظار: تحرك بنفسه، قاد سيارته الرسمية وانطلق نحو مسرح الجنون.
ظل يراقب حركة السيارة الهاربة من نقطة إلى أخرى، يوجه القوة الميدانية بدقة، ويتقدم الصفوف غير مكتفٍ بإصدار التعليمات من بعيد. كان يعرف أن أي لحظة تأخير قد تعني روحًا تُزهق أو دمًا يُراق.
لم يترك جهاز اللاسلكي من يده، ينسق مع كل وحدات المرور، يرسم خطة حصار محكمة، ويتنقل بين المواقع بسرعة القائد الميداني الذي يرى المعركة أمامه.
في صوته كانت الحدة ممزوجة بالهدوء، وفي عينيه إصرار على أن المعركة يجب أن تنتهي لصالح القانون.
كان هو العقل المدبر الذي أغلق على السائق السكران كل المنافذ الممكنة.
وبإصراره الشديد، دفع بالمطاردة إلى لحظة الحسم.
وهو من ربط الخيوط بين الغرب والشمال، ليتحول المشهد من مطاردة عشوائية إلى عملية منظمة أشبه بكمين ناجح.
التنسيق مع اللواء سيد طه – الرجل الذي أغلق الدائرة
على الجانب الآخر من القاهرة، كان اللواء سيد طه، مدير مرور الشمال، يتلقى نداء الغرباوي. الموقف واضح: “السيارة الهاربة في طريقها إلى كوبري 6 أكتوبر”.
لم يتردد لحظة، أمسك بجهاز اللاسلكي، واتصل بالعقيد وائل عبد السميع، محددًا له بدقة نقاط الغلق. كان صوته ثابتًا، يحمل خبرة سنوات في مواجهة المواقف الطارئة.
لم يكتفِ بإصدار الأوامر، بل ظل ينسق بين كل وحدات الشمال، ويرسم لهم خط السير، حتى لا يتركوا ثغرة واحدة يمكن أن يهرب منها السائق.
كان يعرف أن كوبري أكتوبر ليس مجرد طريق، بل متاهة إذا لم تُحكم السيطرة عليها، ستبتلع الفرصة.
من خلاله، انتقلت المطاردة من فوضى إلى خطة محكمة، وحوّل اللحظات الأخيرة إلى فخ حديدي لا مهرب منه.
العقيد وائل عبد السميع – صانع الكمين الحديدي
تلقى العقيد وائل عبد السميع البلاغ من قائده اللواء سيد طه، فكانت استجابته فورية.
في دقائق معدودة، كان في قلب كوبري أكتوبر، يوزع ضباطه على النقاط الحيوية، ويتأكد أن كل مخرج مغلق.
أمر بإحضار الحاجز الخرساني إلى نقطة محددة، ليكون السد الأخير في وجه السيارة الهاربة.
بذكاء ميداني، ترك مسافة تكفي لاستدراج السائق إلى الفخ، ثم أغلق الطريق أمامه في اللحظة المناسبة.
رغم إدراكه لخطر الاصطدام، لم يتراجع، كان يعرف أن أي تردد يعني فرار الجاني.
وقف في موقعه، يراقب تقدم السيارة الفارهة، والشرر يتطاير من أسفل إطاراتها، حتى لحظة الارتطام العنيف بالحاجز.
كانت هذه اللحظة ثمرة تخطيطه، التي جعلت الكوبري يتحول إلى مصيدة لا فكاك منها.
النقيب عمر توفيق – عين المطاردة
لم يكن النقيب عمر توفيق مجرد ضابط على الطريق، بل كان العين التي تراقب كل حركة للسائق الهارب.
منذ لحظة دخوله كوبري أكتوبر، ظل ملاصقًا له من مسافة محسوبة، ينقل كل تفصيلة عبر اللاسلكي.
كان يعرف متى يقترب ومتى يبتعد، ليبقى في منطقة الأمان، ويحافظ على استمرارية المطاردة.
رأى بأم عينيه محاولات السائق للانحراف، ونجح في تفادي الاصطدام المباشر أكثر من مرة.
كل إشارة منه كانت تساعد زملاءه على إحكام الحصار.
وفي اللحظات الأخيرة، كان أحد الذين انقضوا على السيارة بعد توقفها، مانعًا السائق من أي محاولة جديدة للفرار.
النقيب أحمد حمدي – يد الحسم
أما النقيب أحمد حمدي، فكان رجل الحسم في المشهد الأخير.
تقدم بثبات نحو السيارة بعد اصطدامها بالحاجز، غير عابئ بصوت المحرك الذي ما زال يصرخ، ولا بزجاجها المكسور.
فتح الباب بسرعة، وأمسك بالسائق الذي حاول المقاومة، لكن قبضته الحديدية أنهت الأمر في ثوانٍ.
قيّد السائق بنفسه، وتأكد من تأمينه قبل تسليمه لزملائه.
كانت شجاعته واضحة، خاصة وهو يعلم أن مواجهة شخص في حالة سكر قد تحمل مفاجآت خطيرة.
بتصرفه السريع، أغلق الستار على واحدة من أخطر المطاردات المرورية في قلب القاهرة.
وفي النهاية، أحيل المتهم إلى النيابة بأمر اللواء محمد عيد الله، مساعد وزير الداخلية لمرور القاهرة، الذي أشاد بشجاعة وبسالة كل الضباط المشاركين في العملية، مؤكدًا أن ما حدث كان مثالًا حيًا لسرعة الاستجابة والتنسيق بين قطاعات المرور لإنقاذ أرواح المواطنين.