ياسر محمد / يكتب”في دار الشفاء… هناك من لا يُجري جراحات العظام فقط، بل يُرمم القلوب المنكسرة”

في زمنٍ أصبح فيه الطب مهنة، لا رسالة، والمرضى مجرد أرقام في قوائم الانتظار، ظهر من بين الزحام رجلٌ مختلف… رجل اختار أن يداوي قبل أن يُشخّص، وأن يُهدّئ القلوب قبل أن يُمسك بالمشرط.
في مستشفى دار الشفاء، لا يُقال فقط “هنا يُعالج المرضى”… بل يُقال: “هنا الدكتور محمود الشرقاوي… وهنا تبدأ المعجزة”.
هو ليس مجرد مدير لمستشفى كبير، ولا أستاذًا في جراحة العظام تصدّر المؤتمرات العلمية، بل هو الإنسان الذي فتح مكتبه قبل قلبه، لكل من احتاج بابًا يطرقه.
مكتبه لا يُغلق… ولا يُرد فيه أحد. موظف بسيط، مريض فقير، زميل في ورطة، أو حتى عامل نظافة حزين، جميعهم يجدون في مكتبه مساحة أمان، وفي صوته شيء يشبه الحنان الأبوي.
لا يعلو صوته، حتى لو انهارت أمامه الدنيا.
إذا حدثت أزمة داخل المستشفى، كان أول من يصل وآخر من يغادر، يتصرف بهدوء عجيب، وكأن قلبه مبرمج على السكينة… لا يوبّخ، لا يجرح، لكنه فقط “يُصلح”، فيصمت الجميع، احترامًا لهذا النُبل، ويحبونه دون أن يعرفوا كيف أو لماذا.
منذ اللحظة الأولى التي ترى فيها وجهه، تشعر أن هذا الرجل لا يشبه باقي الأطباء… يقترب من المريض كأنه يعرفه من زمن، ينظر في عينيه، فيبتسم المريض رغم الألم.
لا يخوّف أحدًا… حتى لو كانت الحالة ميؤوس منها، حتى لو كانت الحياة معلّقة بخيط رفيع، يقول للمريض بثبات يشبه المعجزة:
“اطمن… إنت مفيكش حاجة، وكل حاجة هتبقى تمام”.
كلماته ليست مجرد جُمل، بل دواء نفسي يُعيد بناء المريض من الداخل.
يعرف تمامًا أن الجسد إذا انهار، يمكن إصلاحه، لكن النفس إذا انكسرت، قد لا تُشفى أبدًا.
وهنا سرّ تفرّده…
فهو لا يُعالج فقط بيديه، بل بكلماته، بابتسامته، بطريقة مشيته داخل المستشفى، التي تُشعرك أن الأمان لا يزال له عنوان.
الدكتور محمود الشرقاوي، هو حالة فريدة من المهنية والإنسانية.
أحد أمهر أطباء جراحة العظام في مصر، خبراته تسبق سنين عمره، ونجاحاته شاهدة على عبقريته الطبية، لكن كل هذا ليس ما جعله محبوبًا بهذا الشكل.
ما جعله أيقونة في القلوب، هو تواضعه الذي يُجبر الجميع على احترامه، هو أنه لا يرى المريض رقمًا على ورقة، بل إنسانًا من لحمٍ ودم، يحتاج إلى من يربت على وجعه قبل أن يُعالجه.
الكل يحبه… لا لأنه مدير… بل لأنه إنسان.
زملاؤه يقولون: “بيسمع الكل… وبيراعي الكل… وبيحب الخير للكل”.
مرضاه يقولون: “لما الدكتور محمود يقول لي مفيكش حاجة، بصدق… وبخف”.
في عالمٍ أصبح فيه الخوف يسكن كل مريض قبل دخول غرفة العمليات، جاء الدكتور محمود ليُغيّر المعادلة…
هو لا يُخفي الحقيقة، لكنه يُعيد صياغتها بلغة الطمأنينة…
لأنه يعرف أن نفسية المريض هي نصف العلاج، وأنه إذا علم بحجم الكارثة، قد ينهار قبل أن يبدأ في القتال.
هو مدرسة في الأخلاق قبل أن يكون أستاذًا في الجراحة…
هو أبٌ للمستشفى بكل ما تحمله الكلمة من دفء، وقائد لا يحتاج إلى صوتٍ عالٍ ليفرض هيبته، فكل من مرّ من جواره، شعر أن الأرض تطمئن تحت قدميه.
في دار الشفاء… لا يقال فقط إن المرضى يُعالجون…
بل يقال:
“هناك رجل، إذا مرّ من أمامك، شعرت أن الحياة لا تزال بخير… اسمه محمود الشرقاوي.”