«حين يولد المجد مرتين»

«حين يولد المجد مرتين


بقلم: ياسر محمد – نائب رئيس تحرير أخبار اليوم
مقدمة: من سُلالة النار يولد النور
في بيوت كثيرة، يولد الأبناء من رحم الراحة، ويكبرون على ظلال الأمان، ويرثون من آبائهم مناصب أو عقارات أو حسابات مصرفية… لكن في بيت واحد على ضفاف النيل، وُلد النور من بين لهب، وجاء الولد من سُلالة رجلٍ كان اسمه عنوانًا على كل جدار مقاومة.
كان اللواء امتياز كامل لا يحمل فقط نجمتين على كتفيه، بل يحمل وطناً بكامله في صدره. لم يكن رجل أمنٍ فحسب، بل فارسًا حقيقيًا في ميدان الشرف. وفي اللحظة التي ظن فيها الجميع أن البطولة تنتهي عند الشهادة، كان في رحم التضحية نبضٌ جديد ينتظر لحظة الميلاد.
كان “نور” لا يسمع حكايات أبيه من أفواه الناس فقط، بل من نظرات أمه، من أنفاس البيت، من خشخشة النياشين في صندوق الذكرى، من دموع لم تسقط بل تحجرت على أطراف جفن أمه لتصبح صلاة.
نشأ “نور” لا ليعيش باسم أبيه، بل ليُكمل سطرًا لم يُختَم. لم يختر الطريق الأسهل، بل سلك ذات الدرب الذي أنهكه يومًا وكرّمه إلى الأبد. فكانت النتيجة أن البطولة لم تُورَّث كوسام، بل أُعيدت كتابتها على أجساد اللهب، بالحبر نفسه… ولكن بلون النار.
الفصل الأول: الصحراء التي تكتب بالدم
هناك، في عمق طريق الواحات، حيث يتكسَّر الضوء قبل أن يصل، وحيث الرمل يخفي الأسرار والبطولات، وقعت ملحمة لا تُروى في نشرات الأخبار.
تقدَّم اللواء امتياز كامل رجاله، صوته كان أعلى من الرصاص، وقراره أسرع من الخوف: «محدّش يسيب صاحبه!»
واجه رياح الموت بجبين مرفوع، ورفع روحه لا سلاحه حين اشتدت الهجمة. قاتل ليلاً، ومات نهارًا، ملفوفًا في علم، لكنّ بطولته بقيت حيّة في صدر طفل كان يومها اسمه “نور”.
الفصل الثاني: رتبةٌ تُربَّى في صندوق
في كل مساء، كانت أمٌّ تفتح حقيبة خشبية، تخرج منها رتبة زوجها، تمسحها بأناملٍ مرتجفة، وتهمس: «أبوك لسه هنا.»
كان الطفل “نور” يراقب ذلك الطقس اليومي كأنه صلاة سرية، ويشعر أن تلك الرتبة تُناديه. لم يكن يدرك المعنى، لكنه أحسّ بالنداء.
دخل كلية الشرطة لا ليهرب من ماضٍ ثقيل، بل ليصادقه. أراد أن يضع اسمه تحت اسم أبيه لا فوقه. أراد أن يُعيد للرُتَب معنًى، وللبذلة كرامتها، وللوعد قيمته.
الفصل الثالث: النار التي تكتب أسماءً جديدة
وسط العاصمة، في سنترال رمسيس، اشتعل المبنى كعمود نار يصرخ في السماء. السلالم انقلبت إلى فوهات جحيم، والأسلاك غنّت لحنًا حارقًا.
هرب الجميع إلى الخارج… إلّا واحدًا. صعد “نور امتياز كامل” كأنه يصعد إلى حكاية أبيه.
في أذنه صدى يتكرّر: «محدّش يسيب صاحبه.»
أغلق قناعه، واقتحم الدخان. الطابق وراء الآخر، صعد لا لينجو، بل لينقذ.
رجلٌ محاصر في الطابق السابع… أخرجه بين ذراعيه.
لكنّه لم يكتفِ… عاد مجددًا، لأن خلف الجدران، هناك ملفات تحفظ أرواحًا لم تُكتب نهايتها بعد.
لسعته النار في الكتف، تشقّق السقف فوقه، لكنه واصل. كان يحمل في قلبه اسمًا لا يقبل الهزيمة: “امتياز كامل”.
الفصل الرابع: صورة تُشعل الذاكرة
خرج بعد ساعتين واثنتي عشرة دقيقة… وجهه مغطّى بغبارٍ وعرق ودموع.
رفع رأسه إلى السماء كأنه يُرسل تقريرًا شفهيًا إلى أبيه.
وحين ارتفعت صورته على مواقع التواصل، إلى جانب صورة اللواء امتياز كامل، كتب أحدهم:
> «امتياز كامل مات مرتين… لكن في الحقيقة، لم يمت أبداً، فقط بدّل بندقيته بقناع إطفاء.»